السبت، 9 أغسطس 2014

المنتقى من أقوال العلامة ابن باز في مسائل الإيمان

من كلام الشيخ عبدالعزيز بن باز في مسائل الإيمان

·       المرجئة هم الذين يقول أن العبد إذا قال وصدق بقلبه لكن لم يعمل مؤمن ناقص الإيمان :
قال رحمه الله :
"أما المرجئة الذين يسمون مرجئة، هم المرجئة الذين لم يدخلوا العمل في الإيمان، وهو الواجب، يجب على العبد أن يعمل ما أوجب الله، ويدع ما حرم الله، لكن ما سموها إيماناً، سموه إذا قال وصدق بقلبه لكن لم يعمل مؤمن ناقص الإيمان، لا يكون كافر، لا ينفعهم، نسأل الله العافية."اهـ

·       ترك بعض الواجبات لا يوجب الكفر ما لم يستحل إلا الصلاة :
سئل الشيخ رحمه الله [ مجموع المقالات الفتاوى] (1/55)  : " ما حكم من يوحد الله تعالى ولكن يتكاسل عن أداء بعض الواجبات ؟ .
ج : يكون ناقص الإيمان, وهكذا من فعل بعض المعاصي ينقص إيمانه عند أهل السنة والجماعة ; لأنهم يقولون الإيمان قول وعمل وعقيدة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية , ومن أمثلة ذلك: ترك صيام رمضان بغير عذر أو بعضه فهذه معصية كبيرة تنقص الإيمان وتضعفه, وبعض أهل العلم يكفره بذلك.
لكن الصحيح: أنه لا يكفر بذلك ما دام يقر بالوجوب, ولكن أفطر بعض الأيام تساهلا وكسلا.
وهكذا لو أخر الزكاة عن وقتها تساهلا أو ترك إخراجها فهو معصية
وضعف في الإيمان, وبعض أهل العلم يكفره بتركها.
وهكذا لو قطع رحمه أو عق والديه كان هذا نقصا في الإيمان وضعفا فيه, وهكذا بقية المعاصي.
أما ترك الصلاة فهو ينافي الإيمان ويوجب الردة ولو لم يجحد وجوبها في أصح قولي العلماء; لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ». وقوله صلى الله عليه وسلم: « العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر » في أحاديث أخرى تدل على ذلك"ا.هـ

·       يخرج المسلم من الإيمان ليس منحصرا بالجحود :
قال رحمه الله [ مجموع المقالات الفتاوى] (2/83) في التعليق على قول الطحاوي رحمه الله " ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه" قال : " هذا الحصر فيه نظر فإن الكافر يدخل في الإسلام بالشهادتين إذا كان لا ينطق بهما، فإن كان ينطق بهما دخل الإسلام بالتوبة مما أوجب كفره، وقد يخرج من الإسلام بغير الجحود لأسباب كثيرة بينها أهل العلم في باب حكم المرتد، من ذلك طعنه في الإسلام أو في النبي صلى الله عليه وسلم أو استهزاؤه بالله ورسوله أو بكتابه أو بشيء من شرعه سبحانه لقوله سبحانه: ( قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) . ومن ذلك عبادته للأصنام أو الأوثان أو دعوته الأموات والاستغاثة بهم وطلبه منهم المدد والعون ونحو ذلك؛ لأن هذا يناقض قول لا إله إلا الله لأنها تدل على أن العبادة حق لله وحده، ومنها الدعاء والاستغاثة والركوع والسجود والذبح والنذر ونحو ذلك، فمن صرف منها شيئا لغير الله من الأصنام والأوثان والملائكة والجن وأصحاب القبور وغيرهم من المخلوقين فقد أشرك بالله ولم يحقق قول لا إله إلا الله، وهذه المسائل كلها تخرجه من الإسلام بإجماع أهل العلم، وهي ليست من مسائل الجحود وأدلتها معلومة من الكتاب والسنة، وهناك مسائل أخرى كثيرة يكفر بها المسلم وهي لا تسمى جحودا وقد ذكرها العلماء في باب حكم المرتد فراجعها إن شئت. وبالله التوفيق"ا.هـ

·       الإيمان قول وعمل واعتقاد :
علق رحمه الله [ مجموع المقالات الفتاوى]  (2/83) على قول الطحاوي :"والإيمان : هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان" قال  : "هذا التعريف فيه نظر وقصور والصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة أكثر من أن حصر، وقد ذكر الشارح ابن أبي العز جملة منها فراجعها إن شئت، وإخراج العمل من الإيمان هو قول المرجئة، وليس الخلاف بينهم وبين أهل السنة فيه لفظيا بل هو لفظي ومعنوي ويترتب عليه أحكام كثيرة يعلمها من تدبر كلام أهل السنة وكلام المرجئة، والله المستعان"ا.هـ
وقال رحمه الله [ مجموع المقالات الفتاوى] (5/35) : " الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية . ولأهل السنة عبارة أخرى في هذا الباب وهي أن الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي , وكلتا العبارتين صحيحة , فهو قول وعمل , يعني قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح وهو قول وعمل واعتقاد ; قول باللسان وعمل بالجوارح واعتقاد بالقلب , فالجهاد في سبيل الله والصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر الأعمال المشروعة كلها أعمال خيرية , وهي من شعب الإيمان التي يزيد بها الإيمان وينقص بنقصها عند أهل السنة والجماعة ; وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإلاحسان .
فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد في سبيل الله وسائر الأعمال المشروعة كلها من شعب الإيمان التي يزيد بها الإيمان وينقص بنقصها . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « الإيمان بضع وسبعون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان » متفق على صحته"ا.هـ
وقال رحمه الله [ مجموع المقالات الفتاوى]  (5/87) : " الإيمان بالله ورسوله إيمانا صادقا يتضمن الإخلاص لله في العبادة وتصديق أخباره سبحانه , ويتضمن الشهادة له بالوحدانية ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة وتصديق أخباره عليه الصلاة والسلام , كما يتضمن العمل الصالح , فإن الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية عند أهل السنة والجماعة; فالإيمان الصادق يتضمن قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح , و عمل القلب بمحبة الله والإخلاص له وخوفه ورجاءه والشوق إليه ومحبة الخير للمسلمين مثل دعائهم إليه كما يتضمن العمل الصالح بالجوارح وهو قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعاصي كما تقدم"ا.هـ

·       إخراج العمل عن مسمى الإيمان قول المرجئة :
قال رحمه الله كما في التعليق على الطحاوية [ مجموع المقالات الفتاوى] (2/83) :
"إخراج العمل من الإيمان هو قول المرجئة، وليس الخلاف بينهم وبين أهل السنة فيه لفظيا بل هو لفظي ومعنوي ويترتب عليه أحكام كثيرة يعلمها من تدبر كلام أهل السنة وكلام المرجئة، والله المستعان"ا.هـ



·       الإيمان يزيد وينقص ويتفاوت المؤمنون في إيمانهم :
قال رحمه الله [ مجموع المقالات الفتاوى] (2/83)معلقا على قول الطحاوي : "الإيمان واحد  وأهله في أصله سواء , والتفاضل بينهم بالخشية والتقى" قال  : " قوله: (والإيمان واحد وأهله في أصله سواء) هذا فيه نظر بل هو باطل، فليس أهل الإيمان فيه سواء بل هم متفاوتون تفاوتا عظيما، فليس إيمان الرسل كإيمان غيرهم، كما أنه ليس إيمان الخلفاء الراشدين وبقية الصحابة رضي الله عنهم مثل إيمان غيرهم، وهكذا ليس إيمان المؤمنين كإيمان الفاسقين؛ وهذا التفاوت بحسب ما في القلب من العلم بالله وأسمائه وصفاته وما شرعه لعباده، وهو قول أهل السنة والجماعة خلافا للمرجئة ومن قال بقولهم، والله المستعان"ا.هـ
وقال رحمه الله [ مجموع المقالات الفتاوى]  (5/11) : " الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل يزيد وينقص , يزيد بالطاعات وبذكر الله وينقص بالمعاصي والغفلة عن ذكر الله"ا.هـ

·       بعض المعاصي تنقص الإيمان وبعضها تذهبه بالكلية :
قال رحمه الله [ مجموع المقالات الفتاوى]  (5/27-28) :" إذا رأيت من نفسك خيانة لأخيك أو رأت المرأة المؤمنة في نفسها خيانة لأختها في الله أو لأخيها في الله فذلك نقص في الإيمان ، ومن ضعف الإيمان ومن ضعف الإخلاص لله عز وجل , إذ لو كان الإيمان كاملا لما وقع هذا النقص الذي هو خيانة أو ظلم أو غير ذلك مما حرم الله عز وجل , فالحسد والخيانة والغش في المعاملة والشهادة بالزور والظلم للعباد كل ذلك نقص في الإيمان وضعف في الإخلاص والإسلام .
وهكذا ما سوى ذلك من سائر المعاصي , وقد يفضي ذلك إلى زوال الإيمان بالكلية كترك الصلاة فإنها كفر أكبر وردة عن الإسلام وإن لم يجحد التارك وجوبها في أصح قولي العلماء , وأما في جحد وجوبها فإنه يكفر بالإجماع من العلماء .
وهكذا لو جحد وجوب الزكاة أو جحد وجوب صيام رمضان أو جحد وجوب الحج إلى بيت الله الحرام مع الاستطاعة أو جحد مشروعية الجهاد في سبيل الله أو جحد شيئا من الأمور الظاهرة الإسلامية المعلومة من الدين بالضرورة فإنه يكون بذلك كافرا ومرتدا بإجماع المسلمين .
وهكذا لو جحد بعض ما حرم الله من المحرمات المعروفة من الدين بالضرورة; كأن يقول إن الزنا حلال أو الخمر حلال أو عقوق الوالدين حلال أو الربا حلال فإن هذا وأمثاله كفر وردة عن الإسلام والعياذ بالله من ذلك .
وبذلك يعلم أن المعاصي والمخالفات منها ما يزيل الإيمان بالكلية ويكون صاحبها مرتدا مفارقا للإسلام كما سمعتم في الأمثلة ; وقد بين ذلك أهل العلم في كل مذهب من المذاهب الأربعة وعقدوا لذلك بابا خاصا سموه باب حكم المرتد وهو باب عظيم تنبغي مراجعته والعناية به صاحبه ناقص الإيمان كتعاطي بعض المحرمات من المسكر وعقوق الوالدين أو أحدهما وتعاطي الربا أو الغيبة والنميمة أو الحسد والبغي والظلم من دون استحلال لذلك . فكل ذلك نقص في الإيمان وضعف في الدين . والإيمان يزيد وينقص عند أهل السنة والجماعة يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي والضعف يختلف فيعظم بكثرة المعاصي ويقل بقلتها"ا.هـ

·       إطلاقات لفظ الإسلام والإيمان وزيادة الإيمان ونقصانه :
قال رحمه الله [ مجموع المقالات الفتاوى] (2/18) : " الإسلام أخص بالأعمال الظاهرة التي يظهر بها الانقياد لأمر الله والطاعة له والانقياد لشريعته وتحكيمها في كل شيء , والإيمان أخص بالأمور الباطنة المتعلقة بالقلب من التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره , ولهذا لما سئل صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال : « أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره »، ففسر الإيمان بهذه الأمور الستة التي هي أصول الإيمان وهي في نفسها أصول الدين كله لأنه لا إيمان لمن لا إسلام له , ولا إسلام لمن لا إيمان له , فالإيمان بهذه الأصول لا بد منه لصحة الإسلام لكن قد يكون كاملا وقد يكون ناقصا , ولهذا قال الله عز وجل في حق الأعراب : { قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا } فلما كان إيمانهم ليس بكامل , بل إيمان ناقص لم يستكمل واجبات الإيمان نفى عنهم الإيمان يعني به الكامل لأنه ينفى عمن ترك بعض الواجبات كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم : « لا إيمان لمن لا صبر له » وقوله صلى الله عليه وسلم : « لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه » ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره »، إلى غير ذلك , والمقصود أن الإيمان يقتضي العمل الظاهر , كما أن الإسلام بدون إيمان من عمل المنافقين , فالإيمان الكامل الواجب يقتضي فعل ما أمر الله به ورسوله , وترك ما نهى عنه الله ورسوله , فإذا قصر في ذلك جاز أن ينفى عنه ذلك الإيمان بتقصيره كما نفي عن الأعراب بقوله تعالى : { قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا } وكما نفي عمن ذكر في الأحاديث السابقة .
والخلاصة أن الله سبحانه ورسوله نفيا الإيمان عن بعض من ترك بعض واجبات الإيمان وأثبتا له الإسلام , فهذه الأصول الستة هي أصول الدين كله , فمن أتى بها مع الأعمال الظاهرة صار مسلما مؤمنا , ومن لم يأت بها فلا إسلام له ولا إيمان . كالمنافقين فإنهم لما أظهروا الإسلام وادعوا الإيمان وصلوا مع الناس وحجوا مع الناس وجاهدوا مع الناس إلى غير ذلك ، ولكنهم في الباطن ليسوا مع المسلمين بل هم في جانب والمسلمون في جانب ; لأنهم مكذبون لله ورسوله , منكرون لما جاءت به الرسل في الباطن , متظاهرون بالإسلام لحظوظهم العاجلة ولمقاصد معروفة أكذبهم الله في ذلك , وصاروا كفارا ضلالا , بل صاروا أكفر وأشر ممن أعلن كفره , ولهذا صاروا في الدرك الأسفل من النار , وما ذاك إلا لأن خطرهم أعظم لأن المسلم يظن أنهم إخوته وأنهم على دينه وربما أفشى إليهم بعض الأسرار , فضروا المسلمين وخانوهم , فصار كفرهم أشد وضررهم أعظم , وهكذا من ادعى الإيمان بهذه الأصول ثم لم يؤد شرائع الإسلام الظاهرة , فلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , أو لم يصل , أو لم يصم أو لم يزك , أو لم يحج أو ترك غير ذلك من شعائر الإسلام الظاهرة التي أوجبها الله عليه , فإن ذلك دليل على عدم إيمانه أو على ضعف إيمانه . فقد ينتفي الإيمان بالكلية كما ينتفي بترك الشهادتين إجماعا , وقد لا ينتفي أصله ولكن ينتفي تمامه وكماله لعدم أدائه ذلك الواجب المعين كالصوم والحج مع الاستطاعة والزكاة ونحو ذلك من الأمور عند جمهور أهل العلم , فإن تركها فسق وضلال ولكن ليس ردة عن الإسلام عند أكثرهم إذا لم يجحد وجوبها , أما الصلاة فذهب قوم إلى أن تركها ردة ولو مع الإيمان بوجوبها وهو أصح قولي العلماء لأدلة كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم : « العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر » أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه , وقال آخرون : بل تركها كفر دون كفر إذا لم يجحد وجوبها , ولهذا المقام بحث خاص وعناية خاصة من أهل العلم , ولكن المقصود الإشارة إلى أنه لا إسلام لمن لا إيمان له , ولا إيمان لمن لا إسلام له , فهذا يدل على هذا , وهذا يدل على هذا , وسبق أن الإسلام سمي إسلاما لأنه يدل على الانقياد والذل لله عز وجل والخضوع لعظمته سبحانه وتعالى ، ولأنه يتعلق بالأمور الظاهرة .
وسمي الإيمان إيمانا لأنه يتعلق بالباطن والله يعلمه جل وعلا , فسمي إيمانا لأنه يتعلق بالقلب المصدق , وهذا القلب المصدق للدلالة على تصديقه وصحة إيمانه أمور ظاهرة , إذا أظهرها المسلم المصدق واستقام عليها وأدى حقها دل ذلك على صحة إيمانه , ومن لم يستقم دل ذلك على عدم إيمانه أو على ضعف إيمانه . والإيمان عند الإطلاق يدخل فيه الإسلام , والعكس كذلك عند أهل السنة والجماعة , كما قال الله عز وجل : { إن الدين عند الله الإسلام } فيدخل فيه الإيمان عند أهل السنة والجماعة فإنه لا إسلام إلا بإيمان . فالدين عند الله هو الإسلام وهو الإيمان وهو الهدى وهو التقوى وهو البر , فهذه الأسماء وإن اختلفت ألفاظها , فإنها ترجع إلى معنى واحد وهو الإيمان بالله ورسله والاهتداء بهدي الله والاستقامة على دين الله , فكلها تسمى برا وتسمى إيمانا وتسمى إسلاما وتسمى تقوى وتسمى هدى , وكذلك إذا أطلق الإحسان دخل فيه الأمران الإسلام والإيمان لأنه يخص الكمل من عباد الله , فبإطلاقه يدخل فيه الأمران الأولان الإسلام والإيمان , وعند إطلاق أحد الثلاثة إذا أطلق فإنه يدخل فيه الآخران , فإذا قيل المحسنون هم أخص عباد الله , فلا إحسان إلا بإسلام وإيمان قال تعالى : { وأحسنوا إن الله يحب المحسنين } وقال سبحانه : { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } فالمحسن إنما يكون محسنا بإسلامه وإيمانه وتقواه لله وقيامه بأمر الله فبهذا سمي محسنا , ولا يتصور أن يكون محسنا بدون إسلام وإيمان .
وهكذا يا أخي لفظ المؤمنين يدخل فيه المسلمون لأنهم - أعني المؤمنين - أخص من لفظ المسلمين , قال الله تعالى : { وأن الله مع المؤمنين } وقال عز وجل : { وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار } الآية، واليوم الآخر والقدر خيره وشره لأن هذا كله داخل في مسمى الإيمان بالله , فإن الإيمان بالله يتضمن الإيمان بأسمائه وصفاته ووجوده وأنه رب العالمين وأنه يستحق العبادة , كما يتضمن أيضا الإيمان بجميع ما أخبر به سبحانه وتعالى وشرعه لعباده , ويتضمن أيضا الإيمان بجميع الرسل والملائكة والكتب والأنبياء وبكل ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وهكذا ما جاء في السنة في هذا الباب مثل قوله صلى الله عليه وسلم « قل آمنت بالله ثم استقم » ، يدخل فيه كل ما أخبر به الله ورسوله وكل ما شرعه لعباده , ومن هذا الباب قوله تعالى : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا }، أي قالوا : إلهنا وخالقنا ورازقنا هو الله , وآمنوا به إيمانا يتضمن الاستقامة على ما جاء به كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام , فالقرآن الكريم من سنة الله فيه سبحانه وتعالى أنه يبسط الأخبار والقصص في مواضع ويختصرها في مواضع أخرى ؛ ليعلم المؤمن وطالب العلم هذه المعاني من كتاب الله سبحانه مجملة ومفصلة فلا يشكل عليه بعد ذلك مقام الاختصار مع مقام البسط والإيضاح , فهذا له معنى وهذا له معنى .
وهكذا الإيمان يطلق في بعض المواضع , وفي بعض يعطف عليه أشياء من أجزائه وشعبه تنبيها على أن هذه الشعبة من أهم الخصال وأعظمها كما قال عز وجل : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم }، الآية ، فقوله { وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة }، من جملة الإيمان والعمل الصالح لكن ذكرهما هنا تنبيها على عظم شأنهما , وهكذا قوله عز وجل : { فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا } الآية , فالنور المنزل هو من جملة الإيمان بالله ورسوله وهو داخل فيه عند الإطلاق ولكن نبه عليه لعظم شأنه , وهكذا قوله عز وجل : { والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر }  فالتواصي بالحق والتواصي بالصبر هما من جملة الأعمال الصالحات , والعمل الصالح من جملة الإيمان , فعطف العمل على الإيمان من عطف الخاص على العام , وهكذا عطف التواصي بالحق والتواصي بالصبر على ما قبله هو من عطف الخاص على العام , فالتواصي بالحق والتواصي بالصبر من جملة الأعمال الصالحات , ولهذا لم يذكرا في آيات أخرى , قال جل وعلا : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم }، ولم يذكر التواصي بالحق والتواصي بالصبر لأنهما داخلان في العمل في قوله : وعملوا الصالحات كما أنهما داخلان في الإيمان عند الإطلاق لأنه يدخل فيه عند الإطلاق كل ما أخبر الله به ورسوله عما كان وما سيكون في آخر الزمان وفي يوم القيامة وفي الجنة والنار , كما يدخل فيه كل ما أمر الله به ورسوله , ويدخل فيه أيضا ترك ما نهى الله عنه ورسوله وكل ذلك داخل في الإيمان عند الإطلاق , وإنما يذكر سبحانه بعض الأعمال بالعطف عليه , وترك بعض السيئات بالعطف عليه من باب عطف الخاص على العام"ا.هـ

·       النطق بالشهادتين والإقرار بالأركان لا يكفي للإيمان الواجب :
سئل رحمه الله[ مجموع المقالات الفتاوى]  (7/40) : " السؤال الثالث : هل يكفي النطق والاعتقاد بهذا الركن من أركان الإسلام أم لا بد من أشياء أخر حتى يكتمل إسلام المرء ويكتمل إيمانه ؟ الجواب : هذا الركن يدخل به الكافر في الإسلام وذلك بأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله عن صدق وعن يقين وعن علم بمعناها وعمل بذلك إذا كان لا يأتي بهما في حال كفره , ثم يطالب بالصلاة وبقية الأركان وسائر الأحكام , ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال له : « ادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا فعلوا ذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم » فلم يأمرهم بالصلاة إلا بعد التوحيد والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم , فالكفار أولا يطالبون بالتوحيد والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم , فإذا أقر الكافر بذلك وأسلم صار له حكم المسلمين , ثم يطالب بالصلاة وبقية أمور الدين , فإذا امتنع من ذلك صار له أحكام أخر , فمن امتنع عن الصلاة يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا وإن لم يجحد وجوبها في أصح قولي العلماء , وإن امتنع من الزكاة وكابر عليها وقاتل دونها فكذلك يقاتل كما قاتل الصحابة مانعي الزكاة مع أبي بكر رضي الله عنه وحكموا عليهم بالردة , فإن لم يقاتل دونها أجبره الإمام على تسليمها وعزره التعزير الشرعي الرادع لأمثاله , وهكذا يطالب المسلم بصوم رمضان , وحج البيت مع الاستطاعة وسائر ما أوجب الله عليه ويطالب أيضا بترك ما حرم الله عليه لأن دخوله في الإسلام والتزامه به يقتضي ذلك , ومن أخل بشيء مما أوجبه الله أو تعاطى شيئا مما حرم الله عومل بما يستحق شرعا , أما إن كان الكافر يأتي بالشهادتين في حال كفره كغالب الكفار اليوم فإنه يطالب بالتوبة مما أوجب كفره ولا يكتفي بنطقه بالشهادتين , لأنه ما زال يقولها في حال كفره لكنه لم يعمل بهما فإذا كان كفره بعبادة الأموات أو الجن أو الأصنام أو غير ذلك من المخلوقات والاستغاثة بهم ونحو ذلك وجب عليه أن يتوب من ذلك وأن يخلص العبادة لله وحده وبذلك يدخل في الإسلام , وإذا كان كفره بترك الصلاة وجب عليه أن يتوب من ذلك وأن يؤديها فإذا فعل ذلك دخل في الإسلام .
وهكذا إذا كان كفره باستحلال الزنا أو الخمر وجب عليه أن يتوب من ذلك فإذا تاب من ذلك دخل في الإسلام .
وهكذا يطالب الكافر بترك العمل أو الاعتقاد الذي أوجب كفره فإذا فعل ذلك دخل في الإسلام .
وهذه مسائل عظيمة يجب على طالب العلم أن يعتني بها وأن يكون فيها على بصيرة وقد أوضحها أهل العلم في باب حكم المرتد , وهو باب عظيم يجب على طالب العلم أن يعتني به وأن يقرأه كثيرا .
والله ولي التوفيق"ا.هـ

·       شهادة التوحيد لا تنفع ما لم تحقق شروطها ومنها العمل والانقياد :
قال رحمه الله [ مجموع المقالات الفتاوى] (7/55) : " وهذه الكلمة العظيمة لا تنفع قائلها ولا تخرجه من دائرة الشرك إلا إذا عرف معناها وعمل به وصدق به"ا.هـ
قال رحمه الله [ مجموع المقالات الفتاوى] (7/57) : " السادس – من شروط شهادة أن لا إله إلا الله- : الانقياد لما دلت عليه من المعنى , ومعناه أن يعبد الله وحده وينقاد لشريعته ويؤمن بها , ويعتقد أنها الحق . فإن قالها ولم يعبد الله وحده , ولم ينقد لشريعته بل استكبر عن ذلك , فإنه لا يكون مسلما كإبليس وأمثاله ."ا.هـ


·       الفرق بين المنافي لكمال التوحيد والمنافي لأصل :
قال رحمه الله [ مجموع المقالات الفتاوى] (7/58) : " الفرق بين الأعمال التي تنافي هذه الكلمة وهي لا إله إلا الله , والتي تنافي كمالها الواجب , فهو : أن كل عمل أو قول أو اعتقاد يوقع صاحبه في الشرك الأكبر فهو ينافيها بالكلية ويضادها . كدعاء الأموات والملائكة والأصنام والأشجار والأحجار والنجوم ونحو ذلك , والذبح لهم والنذر والسجود لهم وغير ذلك . فهذا كله ينافي التوحيد بالكلية , ويضاد هذه الكلمة ويبطلها وهي : لا إله إلا الله , ومن ذلك استحلال ما حرم الله من المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة والإجماع كالزنا وشرب المسكر وعقوق الوالدين والربا ونحو ذلك , ومن ذلك أيضا جحد ما أوجب الله من الأقوال والأعمال المعلومة من الدين بالضرورة والإجماع كوجوب الصلوات الخمس والزكاة وصوم رمضان وبر الوالدين والنطق بالشهادتين ونحو ذلك .
أما الأقوال والأعمال والاعتقادات التي تضعف التوحيد والإيمان وتنافي كماله الواجب فهي كثيرة ومنها : الشرك الأصغر كالرياء والحلف بغير الله , وقول ما شاء الله وشاء فلان , أو هذا من الله ومن فلان ونحو ذلك , وهكذا جميع المعاصي كلها تضعف التوحيد والإيمان وتنافي كماله الواجب , فالواجب الحذر من جميع ما ينافي التوحيد والإيمان أو ينقص ثوابه , والإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية"ا.هـ




·       من  أقوال أهل السنة القول بعدم كفر تارك أركان الإسلام :
سئل رحمه الله  [ مجموع المقالات الفتاوى] (28/144) : "  هل العلماء الذين قالوا بعدم كفر من ترك أعمال الجوارح ، مع تلفظه بالشهادتين ، ووجود أصل الإيمان القلبي هل هم من المرجئة ؟
ج : هذا من أهل السنة والجماعة ، من قال بعدم كفر من ترك الصيام ، أو الزكاة ، أو الحج ، هذا ليس بكافر ، لكنه أتى كبيرة عظيمة ، وهو كافر عند بعض العلماء ، لكن على الصواب لا يكفر كفرا أكبر ، أما تارك الصلاة فالأرجح فيه أنه كفر أكبر ، إذا تعمد تركها ، وأما ترك الزكاة ، والصيام ، والحج ، فهو كفر دون كفر ، معصية وكبيرة من الكبائر ، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في من منع الزكاة : « يؤتى به يوم القيامة يعذب بماله » ، كما دل عليه القرآن الكريم : { يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون } ، أخبر النبي أنه يعذب بماله ، بإبله ، وبقره ، وغنمه ، وذهبه ، وفضته ، ثم يرى سبيله بعد هذا إلى الجنة أو إلى النار ، دل على أنه لم يكفر ، كونه يرى سبيله إما إلى الجنة ، وإما إلى النار ، دل على أنه متوعد ، قد يدخل النار ، وقد يكتفي بعذاب البرزخ ، ولا يدخل النار ، بل يكون إلى الجنة بعد العذاب الذي في البرزخ."ا.هـ
وسئل رحمه الله [ مجموع المقالات الفتاوى]  (28/149-150) : " أعمال الجوارح هل تعتبر كمالا للإيمان أو تعتبر كصحة للإيمان؟
ج : أعمال الجوارح فيها ما هو كمال للإيمان ، وفيها ما تركه مناف للإيمان ، والصواب أن الصوم يكمل الإيمان ، الصدقة من كمال الإيمان ، وتركها نقص في الإيمان وضعف في الإيمان ، ومعصية ، أما الصلاة فالصواب أن تركها كفر أكبر ، نسأل الله العافية ، وهكذا كون الإنسان يأتي بالأعمال الصالحات ، هذا من كمال الإيمان ، وكونه يكثر من الصلاة ومن صوم التطوع ، ومن الصدقات ، هذا من كمال الإيمان ، مما يقوى به إيمانه"ا.هـ

مدونة تمهل
@tmhhl1433

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق