الخميس، 26 يوليو 2012

"ثوّارُ الفِكْر".. أسقطوا مَنْ ؟ وماذا ؟! (1)


بسم الله الرحمن الرحيم

قال العلامة الفقيه محمد الصالح العثيمين رحمه الله:
((أنصحك بأن تسمع أشرطةَ الشيخ ابن باز.. أشرطة الشيخ الألباني.. أشرطة العلماء المعروفين بالاعتدال وعدم "الثورة الفكريَّة"))اهــــــــــ.

لم يكن الجهرُ بجواز المظاهراتِ ظاهرا في الناس قبل سنيَّات، ولا يجهر بهذا ويشيعه في بلادِ الحرمين إلا القليل.
حيث إنَّ الفتوى –في بلادِنا- على تحريمها ولِما تؤدي إليه من فوضى وضياع مصالح وسفك دماء وانتهاك أعراض.
والإصلاحُ لا يكون بالفوضى.
ولأنَّ الله تعالى قد وزَع بالسلطان في بلادِ الحرمين قوما لم يزَعُهم القرآن!

لكن لمَّا اشتدت فصائلُ "الثورة الفكريَّة" في سحْب البساط من تحت علماء السنة المعتبرين في الفتوى، وانفجرت قنواتُ الإعلام الجديد.. وصار الناس يتلفتون أكثر إلى من يسقي البذور التي دفنها "ثوار الفِكْر" في نفوسِهم، علَّق "البو عزيزي" الجرس الأخير، فضجَّت أصداؤه في العالم الإسلامي، ما بين جمْعٍ ثائر، وجموعٍ تتلقى دروسَ الثورة، على أيدي معلِّمين كانوا يهمسون فصاروا يصرخون في الأرجاء..!

والحقائقُ إنْ تغيَّرتْ في النفوس لم تتغير في الواقع.

والحق لا يحول إلى باطلٍ وإن قصُرَ لسانُه في زمان أو مكان.

وإنَّ الفتنَ في آخرِ الزمان أشدُّ ظلمة، وإذا اشتدَّتْ الظلمة كثُر الساقطون في الحُفَر.. فاللهم سلِّم سلّم!
وفي (مسلم) عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((بَدَأَ الإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ)).

قال العلامة ابن قيّم الجوزية رحمه الله [في مدارج السالكين]: (فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون، ولقلتهم في الناس جدا؛ سموا غرباء، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات، فأهل الإسلام في الناس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء.
وأهل السنة الذين يميزونها من الأهواء والبدع فهم غرباء، والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد هؤلاء غربة، ولكن هؤلاء هم أهل الله حقا، فلا غربة عليهم، وإنما غربتهم بين الأكثرين، الذين قال الله عز وجل فيهم: وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله، فأولئك هم الغرباء من الله ورسوله ودينه، وغربتهم هي الغربة الموحشة)اهـــ.

وإنَّ مما يزيد هذا المعنى –أعني الغربة-  وضوحا  كثرةُ اعتداد "ثوار الفكر" بكثرةِ الصائحين بفكرتِهم، المستصغرين لمن ينهج نهجَ العلماء الأول في إنكار المظاهرات والديمقراطيَّة والفوضى.
إذ لا يتباهى بالكثرة ويتعلّق فيها ويغرّ الناس بها في زمن الفتن: غريب!

 وإنّي حين أقول: (نهج العلماء الأول) أريد إخراج المفتون ممن لبِسَ لباسَهم وظنَّه الأعشى منهم!

فإنَّ هذا النهج الأول، يسلك الأمر الأول نهجَ السلفِ الصالح، ولم يأتِ بجديد.. بل اتبع الدليل وصدع بالحق فتفرق أهل الأهواء وأتباع كل ناعق عنه، ولم يبقَ إلا الغرباء ينافحون عنه ويدعون إليه. يرجون طوبى، عسى أن يحققها الله لهم!

ولقد نفشت الفتن الأخيرة ريشَ أقوام، فجرَّأتْهم على ما لم يجترئوا عليه من قبل، وانكشف عوراتٌ، وخرجَتْ رؤوس.. ما كنَّا ندريها.
حتى أشار الشيخ صالح الفوزان في مقدمة كتيب له نسيت اسمَه الآن، إلى أنَّ هذه الفتن الأخيرة قد كشفت عن حقيقة ناس كنا نحسن فيهم الظن.

ولقد قيل: جزى الله الشدائدَ كل خيرٍ
وإنْ كانت تغصّصني بريقي
وما شكري لها إلا لأنّي
عرفتُ بها عدوّي من صديقي


ومما أبدَتْه المحن:
1-  أنَّها كشفت قومًا كان ظاهرُهم التمسُّك بالدليل، واحترام أهل العلم، فصاروا يهزؤون بمن يقول بقول العلماء، ويحقِّرونه غاية التحقير.
2- وقوع كثير من هؤلاء بالكذب الصريح العجيب على أهلِ السنَّة، ولهذا أمثلة عديدة ظهرت في موقع تويتر، وغيره.
3- تناقض أقوام: كانوا يحرِّمون المظاهرات والخروج، فانقلبوا على أعقابِهم. وقد ظهر هذا جليا في مشايخ القنوات المصرية (الناس، والرحمة...)
4- وآخرين: كانوا يكفِّرون الحاكم بغير ما أنزل الله من غير تفصيل وانضباط بضوابط التكفير، فغيّروا! وكانوا يكفرون بالدستور الديمقراطي ويحذرون منه ويرون أنه حكم بغير ما أنزل الله، فصار عدلا قائما وربيعًا بدأتْ تنعم به الأمَّة!

وأمثلة التخبط كثيرة...

ولمَّا فاز ممثل حزبِ الإخوان برئاسة مصر، غشيتْهم سكرة الفرح، ونسي كثير منهم تأصيلاتِه، واستغلوا الحدث للسخرية بمن يأخذ بما أمر به رسولُ الله صلى الله عليه وسلَّم من السمع والطاعة للحاكم المسلم، بالمعروف في المنشط والمكره، والعسر واليسر، والصبر على الجور.
وظنوا لعجلَتِهم وسوء فهمهم أنَّ إنكار بدِع الإخوان يناقض منهج السمع والطاعة لـ(من يحكم) منهم!

فخابَ ظنّهم، وشمخ السلفيون بما أمرَ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
وإنَّ من غفلة المعتدين وسوء طويتهم ظنّهم أنَّ هذا شيء جديد علينا!
مع أنَّه متكرر في التاريخ، والعصر الحاضر!

وسبب ورطتهم في هذا الظن أنَّهم يعتقدون أن أمرنا بالطاعة أو نهينا عن الخروج يستلزم تزكيةَ الحكام!

وهذا الفهم السقيم جرَّهم إلى كذِبَاتٍ وتلبيساتٍ سخيفة ركيكة لا يزالون في سكرتِها يعمهون!


هذه الكلمة مقدمة لحديث يتبعُ إن شاء الله.











هناك تعليق واحد: