السبت، 8 سبتمبر 2012

دعاوى الكاتب عبدالرحمن السديس بين الكذب والتلبيس



بسم الله الرحمن الرحيم


إن الفتن والنوازل مظنة انكشاف الحق وأهله، وبيان زيف أهل الأهواء وانخلاع حجتهم.
والفتنة هي الاختبار، فإن الله تعالى يوقع من الأمور ما يمتحن فيه ويختبر عباده، فيثبت الله تعالى أهل الإيمان الصحيح، ويضل أهل الريب والشك. فيظهر عيانا بيانا لكل ذي علم وبصيرة أهل الثبات وأهل الزيغ كما قال تعالى : { الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين }[ العنكبوت : 1-3].
ففي أوقات وأماكن الفتن تضيع معالم الحق على عامَّة الناس، فيستغل ذلك أهل الأهواء فيرتعوا فيها لعل ضلالاتهم تروج ، فتنفلت الأمور فيخلصون إلى ما راموه من الباطل فعجزوا عنه في وقت السكينة وقوة الحق ووضوحه وتميز أهله.
وهذا هو حال أهل النفاق في كل زمان ومكان.
ومن مواضع الفتن في هذا الزمان تلك الوسيلة التي هيأ الله فيها للناس التعبير عن آرائهم وما يجول في خواطرهم من وسائل الاتصال الحديث مثل (فيس بوك)، و (تويتر)، فتقاطر أهل الشبهات، وأهل الأهواء على هاتين الوسيلتين، حيث كانت حسبما أرادوه زمن الاستضعاف موقعا للانعتاق من رق التقية، فنفثوا فيها أهواءهم، ووجدوا من العامة الرعاع أتباع كل ناعق القبول والتصفيق والدفاع والترويج.
والحامل للعامة على ذلك أحد أمرين :
1-             الجهل بالسنة وسمات أهلها وأعيان علمائها ، وخطر البدعة وأهلها، وسمات أهلها وأعيان علمائها.
2-             فشو الأهواء والإعجاب بالرأي.
فتقاطر العامة إلى الهلكة واستحكمت بهم الفتنة،  حيث شد عليهم المبتدعة الوثاق، وأمن المبتدع وصاحب الهوى ضيق الخناق، فأصبح الكذب عند أصحاب اللحى الكثة، والثياب الرثة، ممن تظهر فيهم الديانة، ويستبعد العامة منهم الخيانة، دينا وقربة يرجون ثوابها يوم تلتف الساق بالساق، فأمنوا العقاب، ونسوا الحساب، ورجوا بذلك الأجر والثواب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وممن يظهر فيهم الهوى، وتحري طرق الردى  الكاتب : عبدالرحمن بن صالح السديس، حيث لم يكل  يكذب على أهل السنة، ويلبس على العامة، ويتمادي في خفة العقل، والأخذ بمبدأ الجهالة.
وليس ذلك بغريب على من تأثر بمنهج أهل البدع من أهل الجماعات الحزبية التي نما شرها، واستحكم ضررها، في كثير من شبابنا، ذلك المنهج القائم على بطر الحق، وغمط الخلق، وهو الكبر الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال كما في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر))، قال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة. قال : ((إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس)).
وبطر الحق، أي : دفعه وإنكاره ترفعا وتجبراً، وغمط الناس،  أي: احتقارهم[1].
وطالب العلم على طريق النجاة لا يحتقر الناس، ولا يغمطهم، ولا يترفع عن قبول الحق والأخذ به إذا كان مع من لا يهواه، فإن هذا هو مسلك أهل الجاهلية الذين قال الله تعالى فيهم : {وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء}[ البقرة:113].
وإن كنت أعرف من الأخ عبدالرحمن السديس الدراسة على بعض كبار العلماء، إلا أن هذا وحده لا يزكيه، ما لم يكن على منهاجهم في السنة، فكم من مبتدع وصاحب هوى يعزو نفسه لعلماء السنة وهو مخالف لهم في منهاجهم.
وهذه الدعوى كدعوى اليهود والنصارى الذي يعتزون لأنبيائهم وهم ليسوا على دينهم ومنهاجهم.
 فأولى الناس بعلماء السنة أهل السنة وإن لم يكونوا من طلابهم في أخذ العلم منهم مباشرة كما قال تعالى: { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين}[ آل عمران : 98].
إن غالب ما يفتريه السديس وأمثاله على هذه الدعوة السلفية القائمة على الكتاب والسنة ومنهج العلماء الربانيين في القديم والحديث، والله لا يقره عاقل، ولا يصبر عليه الموافق، ولا تقوم على دليل.
فهو إما :
-كذب صريح.
- أو لازم لا يلزم.
- أو حق لبس بباطل.
- أو زلات لبعض المنتسبين للدعوة .
- أو أخطاء بعض المنسوبين لها وهي منهم براء ممن لحق بأهل البدع.
- أو حكم على ضمائر القلوب، وما تخفيه الغيوب.
وهذا هو منهج أهل الأهواء في مواجهتم لكل دعوة حق وسنة.
وإني قد جمعت طعوناته في أهل السنة السلفيين، فتأملتها، وكنت عازماً على تفنيد ما فيها من الكذب والبهتان والتلبيس والتحريف، إلا أني بعد التأمل، وجدتها لا تعدو كونها شخمطات صبيان، وأغلوطات حدثان، العاقل البصير يعلم بمجرد الاطلاع عليها أن كاتبها متجرد عن الإنصاف، آخذ بمساوئ اللفظ والقول، بما يترفع عن الرد عليه أو تفنيده مفصلاً كل من لا يرضى لنفسه الوقوف عند أهل السوء والإسفاف، آخذا بقول الله تعالى : {وأعرض عن الجاهلين}[الأعراف :199]، فعرض ما قاله كاف عن الرد عليه مفصلاً، إلا أني رأيت أن أعلق تعليقات يسيرة على بعض ما قاله تجلية للشبه، ورفعا للاتباس الذي قد يحصل عند من لا علم له.
 فمن قوله هدانا الله وإياه للصواب :
-   ((من تلبيس أدعياء السلفية (الجامية) على العامة نسبتهم كل من فرح بفوز مرسي بأنه "إخواني" وليس "سلفيا"، مع أن عامة عقلاء السلفيين فرحوا له لأنه خير من شفيق العلماني المعادي للدين وأهله، والسلفيون كانوا يتمنون فوز سلفي، لكن الواقع: أن الخيار بين شفيق ومرسي ففرحوا لمرسي)).

أقول:  إنَّ الدافع للسلفيين إلى الرد على ممجدي "مرسي" ما يلي:
(1) بيان تناقض الحركيين بين تعاملهم مع حسنات حكومتهم الدولة السعودية –الدولة الوحيدة فعي العالم التي تحكم بالشريعة- وحسنات مرسي وأردوغان وحكومة تونس!
(2) أنَّ هؤلاء ناقضوا أنفسَهم فبعد أن كانوا يطلقون على من يدافع عن السعودية بل من يدعو الناس لأمر النبي صلى الله عليه وسلم إلى السمع والطاعة للحاكم المسلم: "مطبل" "مداهن" "من مرجئة الحكام" إلخ... وقعوا الآن فيما كانوا يذمون وعنه ينفرون!

(3) أنَّ بعض تلك المدائح مصحوبة بطعنٍ في السلفيين وسخرية بالسائرين على منهج ابن باز وابن عثيمين في السمع والطاعة.

وهنا تنبيه: وهو أنَّ هؤلاء الحركيين قد دفعوا بكثرة تشغيباتهم بعض السلفيين إلى النطق بما لا يسوغ، ولا نقره. وقد نبَّه الشيخ الدكتور سليمان الرحيلي -حفظه الله- على خطأ بعض السلفيين في هذا الجانب.

والسلفيون مجموعة بشر! منهم العالم والجاهل والكبير والصغير والنبيه والمغفل، والصابر والطائش.

- يقول السديس:  ((فوز مرسي سيجعل أدعياء السلفية (الجامية) في مأزق كبير، فإما أن ينكصوا على أعقابهم ويبدلوا سيئات الإخوان حسنات كما كانوا مع مبارك والقذافي وإما أن ينكصوا على أصولهم ويكونوا مثل من كانوا يسمونهم قطبية وسرورية وخوارج وو إلخ قواميسهم التي يطلقونها لغير أتباع حزبهم الضيق)).
ويقول: -   ((ماذا يعني غضب الجامية الشديد على من مدح (موقفا) لأحد (ولاة أمور المسلمين) الرئيس مرسي، أين أدبياتهم في طاعة ولاة الأمر؟
!))


في هذا الكلام أكثر من كذبة ومغالطة:
(1) ففوز مرسي جعل السلفيين في مصر يشمخون بمنهجهم فلم يدفعهم ما كان بينهم وبين الإخوان إلى الكبر على الحق بل أعلنوا منهج السمع والطاعة للمسلم في غير معصية.
وقد كذب عليهم المناوئون كذبات صُلع على سلفيي مصر رددنا على بعضها في مقالة سابقة.
وقد اعترف "أبو فهر السلفي" –في تغريدة له- بثبات الشيخ محمد سعيد رسلان –من أشهر دعاة السلفية هناك- على مبدئه!

(2) تكذب يا عبد الرحمن فالسلفيون لا يجعلون سيئات الحكام حسنات، إنما يدعون للسمع والطاعة بالمعروف، والصبر على الجور، وترك الفتن. فإن كان الحاكم كافرا كان الخروج على حسب القدرة وكما قرر ابن باز وابن عثيمين والراجحي وغيرهم.

لكن لأن الدعوة إلى المنهج الصحيح في التعامل مع الحكام يصادم أشياء في صدوركم ولذا تسموننا غلاة طاعة، ودعاة تطبيل!

(4) من أساليب المناوئين استغلال قول من لا يمثل السلفية والسلفيين للطعن على السلفيين، فذلك الخطيب الذي وقف في وجه ثوار ليبيا لا يمثلنا!
والقوصي منتكس.

(5) صرح الشيخ محمد بن هادي المدخلي –أيام فتنة ليبيا- بأنه يرى كفر القذافي من ثلاثين عاما، ويرى الشيخ ربيع كما صرح هو بذلك وصرح به ابنه الدكتور محمد بأنه يرى كفر القذافي.

وقد كان السلفيون الليبيون يشتكون –قبل سنوات- من منع حكومة القذافي لكتب العلماء وحربها على السلفيين!!
وهذا مشهور بين السلفيين كتبوا فيه مرات.
ومع أن للعودة والعريفي ومحمد حسان والزغبي مدائح مبثوثة وموثقة بالصوت والصورة لحكومة القذافي أو ابنه أو ابنته!
إلا أن تهمة التطبيل لا تطال إلا من نهوا عن المظاهرات حفظا لدماء المسلمين وأخذا بفتاوى ابن باز وابن عثيمين!!

-   وقال معلقاً على تغريدة د.سعود الفنيسان التي يقول فيها باهتا السلفيين بأنهم مرجئة العصر، قال : " لم نر (لمرجئة العصر) استنكاراً لما حدث في جامعة نوره من محاولة لتطبيع الاختلاط اعتقد أنهم ينتظرون التوجيه للتبرير!!" فقال السديس هداه الله : ((في الصميم يا شيخ..لو حدث حادث عابر لأحد المنتسبين للعلم والدعوة لأقاموا الدينا عليه، لكن لمن يتسولون على بابه حلال وربما سنة)).

وفي هذا الكلام من التجني ما هو ظاهر:
(1)        للسلفيين من الردود القوية في كتب مؤصلة وأشرطة ومقالات على دعاة الاختلاط ما يقيم الحجة ويغيظ الحاسد.
(2)        خبر جامعة نورة لا يزال إشاعة تحتج إلى إثبات وإنكار المنكرات مقيد بالعلم بوقوعها كما في الحديث : ((من رأى منكم منكراً ...)) الحديث.
(3)        من عادة الحركيين السعي في الشحن العاطفي ضد الدولة إذا وجدوا خللا في مؤسسة حكوميَّة، والنصح مطلوب لكن بلا شحن وتهييج!
(4)        ما فعله د.النجيمي من مجالسة للنساء الكتف بجنب الكتف! ومضاحكتهن: فضيحة مدوية لم نسمع لؤلاء إنكارا لها! مع أن النجيمي يعد رجل علم ودين عند العامة يؤثر فعله فيهم أكثر من تأثير من عُلِم فسقُه عند العام والخاص كالليبراليين ونحوهم. وليس هذا من الأمور العابرة! وكذا ما فعله العريفي مرات، وللعودة مثل ذلك، وكذا ما فعله الداعية : سليمان الجبيلان، وهؤلاء أفعالهم موثقة وليست إشاعات!
أين إنكاركم؟!
(5)        العجيب أن للفنيسان فتوى في إباحة النوع الذي ذكروا حصوله في جامعة نورة! ثم لا يستحي من قول هذا الكلام !

عيب يا دكتور سعود، عيب والله عيب!

يقول السديس: ((الرافضة أسرع الناس تصديقا بالكذب.. ويشبههم في هذه الخصلة: "الجامية" فهم من أسرع الناس تصديقا بالكذب, ونشرا له, وبقاء عليه.. يكتب أحدهم باسم "مؤنث" مستعار.. وينشر أكاذيب بينة للصبيان.. فيتهافتون عليه صغار وكبارا, ويعدون مقاله حقائق و بينات لا تقبل الجدل)).

سبحان الله لقد دعاني السديس إلى أن أتفكر في حسابات تويتر:
أجد مجموعة حسابات مزورة على السلفيين وفيها من الفجور الشيء العجيب!
ثم أتفكر في (أصاغر) السلفيين فضلا عن الأكابر فأجدهم في غالب أمرهم بين ناقل لفتوى عالم معتبر، وموثق لخطيئة مخالف للسنة!

وشتان بين هؤلاء الشبيبة وبين عدد من الحركيين الكبار (!) الذين يكذبون الكذب الصريح على السلفيين.
(وفي هذه المدونة رد على شيء يسير وسنتطرق إلى كذبات صُلع عجيبة تفوّه بها بعضهم في مقالات قادمة إن شاء الله)

لقد تعود الكثير من الشبيبة السلفيين على الرد بالوثائق، وتعوَّد كثير منكم على تدوين الهواجيس!

لكنكم تجعلون ما لا تحبون من الحقائق كذبا!
لقد عودكم أتباعكم على أن يصدقوكم في كل شيء!
وقد يوجد (ولا بد) من في السلفيين من غلبته جهالته فشابهكم في طرائق الرد!
وهذا منكر لا يقره أصحاب العلم و البصيرة من السلفيين.

-   يقول السديس: ((فكر الجامية تطور للأسوأ كثيرا، لذا لا تلزم هذه الطوام الشيخ محمد أمان الجامي، كما لا تلزم طوام الأشاعرة المتأخرة للشيخ أبي الحسن الأشعري)).

نقول: في هذا الكلام مغالطة وهي: أنَّ الأشعري كان إماما في مذهب بدعي، ثم رجع عنه فنُسِب أتباعه في مذهبه السابق إليه حتى اليوم.

أما الدكتور الجامي رحمه الله فقد درَّس مجموعة من كتب الاعتقاد، ومات رحمه الله وعدد من كبار العلم كابن باز رحمه الله والفوزان والسبيّل واللحيدان يذكرونه بالخير وحسن الاعتقاد.

وليس بين الجامي رحمه الله وبين علمائنا فرق في تقرير مسائل الاعتقاد خصوصا تلك المسألة التي تحز في نفوسكم كثيرا مسألة "السمع والطاعة"!

-   يقول السديس: ((يسأل بعض الإخوة والأخوات عن معنى الجامية ومن هم إلخ. هناك كتابات كثيرة في النت عن هذه الطائفة وفكرها ورموزها إلخ, وهي حرية برسالة علمية)).

نقول هذا مصدرك: كتابات الجهلة والجائرين.

ألا يدعوك هذا إلى التمهّل –على الأقل-؟؟ أم هؤلاء ليسوا من "الفضلاء"؟!
-   ((إن مدحت مواقف حسنة لمرسي انهال عليك الجامية بأنك إخواني والإخوان فيهم وفيهم.. لكن تمدح ابن علي وحسني وغيرهم وتدافع عنهم فذا من صالح الأعمال!)).

والله ما نهج السلفيين نهج تطبيل بل دعوة للتعقل وترك الفتن.
يقول الشيخ د. صالح السحيمي: "تحريمنا للمظاهرات لا يعني ذودنا عن الطغاة"اهــ.
وصدق. ولكنكم أهل جهل وعدوان.
-        يقول السديس: ((لو كانت بعض مواقف مرسي (الإخواني) لحكام آخرين.. لربما رفعهم بعض الجامية لمرتبة الخلفاء الراشدين!)).

لقد كان لحكام السعودية من المواقف ما هو أشرف، وما جعلناهم كذلك. بل نقول: اسمعوا وأطيعوا في غير معصية الله، واتركوا الفتن والتهييج.
ولقد كان موقف الدولة السعودية واضحاً ومشهوداً في أحداث سوريا ومعترف به بين الصادقين، وشهد لهم بذلك المطلعون على حقيقة الموقف منهم ((عدنان عرعور)) وغيره، منذ بدايتها غير أنكم ما رفعتم بها رأساً، بل لازلتم تولولون وتصيحون : أين حكام المسلمين؟!
حتى قال (مرسي) كلمة في أحداث سورياً فطرتم بها، ورفعتم من شأنها في مقابل الغض من مواقف الدولة السنية حكومة المملكة العربية السعودية.
وهذا من جوركم وظلمكم وانحيازكم لغير ولاة أمركم.

-  ويقول السديس : ((يوما بعد يوم وموافق وكلمات الرئيس مرسي (الحسنة) تزيده مكانة ورفعة.وتزيد الجامية له بغضا وحنقا; فهي طائفة البغي التي كانت تعظم حسني وابن علي!)).

باختصار: والله تكذب. ما عظمنا حسني وابن علي.

 بل دعونا للصبر على الجور حتى يأتي الفرج، وهو منهج ابن باز وابن عثيمين بينوه بالأدلة، لا بالهواجيس.
ولكنك يا عبدالرحمن السديس، تسلك مسلك أهل البدع في الطعن في أهل السنة، وصرف حقيقة دعوتهم إلى ما يشوهها لدى العامة، كيداً وبغضا لدعوة الحق والسنة.

إلى آخر ذلك من الهذيان الكثير الذي سوقه كاف في إثبات سوقية صاحبه، ورداءة فكره، وضعف ديانته، وتعصبه المقيت لأهل الأهواء والبدع.

والله لقد جني الأخ : عبدالرحمن الصالح السديس على نفسه، وعلى دعوته بهذه التغريدات التي أولى ما توصف به أنها (نهقات)،فإن المطلع على  حقيقة الأمر عند تأمله في ما سقته من كلامه ليجد في كلام السديس طوام كثيرة أقلها :
1-             وقوعه في الكذب.
2-             نهيه عن الشيء ووقوعه في مثله.
3-             وقوعه في لبس الحق بالباطل.
4-             وقوعه في السخرية والاستهزاء بأهل العلم المشهود لهم بالسنة، والاستخفاف بهم.
وكان الأولى بالسديس أن يستحي من الله، ثم يستحي من خلقه، وهو خلي من ذلك، وإلا فإن الحياء يحمل صاحبه على الصدق في القول والعمل، وعلى الخلق الحسن، أما الكذب والفجور في الخصومة، فهذا صنيع من تلطخ بالنفاق.
وإني والله لأرى السديس خليق بما غرد به في تويتر حيث يقول :
-        ((المبتدع إذا استدللت عليه شغب عليك، وإذا دعوته إلى الاستدلال لم يجد إليه سبيلا. "ابن العربي")).
فما أرى السديس إلا مشغباً على أهل السنة، حائدا عن حقيقة دعواهم التي لا توافق هواه، إلى أمور يتصيدها، أو يضخمها، أو حق يلبسه باطل، فيطعن بذلك على عموم أهل السنة باسم ((الجامية))، و ((أدعياء السلفية))، وإنما هو بذلك مشغب، لم يجد لدعواه ما يقوم به الاستدلال الصحيح.
ويقول هداه الله للصواب :
-        ((حاول ألا تسمع القول المخالف لرأيك ممن لا تحبه فقد يحجبك بغضه عن الحق إن كان معه)).
فلا أرى السديس – هداه الله- إلا  أنه قد وقع فيما ذكر، فالواضح للعيان، لمن أبصر الحق بدليله، أن غمطه للسلفيين، وبطره للحق، حجبه عن الحق لما كان معهم.
وما أقرب اتصافه بما علقه على أثر الذهبي فيقول :
-   ((قال الذهبي في ابن تيمية: "لا يؤتى من سوء فهم؛ فإن له الذكاء المفرط، ولا من قلة علم؛ فإنه بحر زخار، ولا كان متلاعبا بالدين ولا يطلق لسانه بما اتفق".اهـ. تأمل عامة الضلال والبدع تجد سببها هذه الأمور أو بعضها. سلمنا الله منها))
فإن من تأمل تلك التغريدات التي طعن فيها بأهل السنة السلفيين، ليجد إنما كان طعنه بهم إما لسوء فهم، أو لبلادة وغباوة، أو لجهله، وفي كل فتلاعبه في دين الله  في المسائل التي خالف فيها السلفيين واضح فيها اتباع الهوى وتحري طرق الردى لا شك في ذلك لمن عرف الحق بدليله، فوقع هداه الله في الضلال والبدع وسلك مسلك المبتدعة في الطعن بأهل السنة والكذب عليهم، بسبب ذلك.
ثم يقول -وفقه الله لمراضيه وبصره الله بمواقع الفلاح والرشاد- :
((حماسك لقول واندفاعك لنصرته قد يبعدك عن رؤية ما في الأقوال الأخرى من الحق، وربما لو هدأت وتأملت بان لك ذلك؛ فالرفق مطلوب في العلم أيضا)).
فمن تأمل ما كتبه فيما خالف فيه السلفيين فشمت بهم لأجله، وأنصف في تأمله، وتجرد عن الهوى ونزغات الحزبية وجد أن السديس ناقض نفسه، ووقع فيما نهى عنه، فتراه مندفعاً اندفاع سفهاء الأحلام حدثاء الأسنان، وجانب الرفق، وكتم ما في دعوة السلفيين من الحق الذي يعلمه، وما حمله على ذلك إلا الحماسة وقلة الكياسة، وحريق الحزبية الذي قد اشتعل في فؤاده، فأحرق عليه موقد البصيرة.
أما وصفه لبعض أهل السنة والجماعة ممن سار على منهاج السلف الصالح أنهم ((جامية))، و ((أدعياء السلفية))، ثم محاولة التشبع بالإنصاف، وتبرئته للشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله مما سماه  طوام الجامية المتأخرة، وأنها لا تلزم هذه الطوام الشيخ محمد أمان الجامي، كما لا تلزم طوام الأشاعرة المتأخرة للشيخ أبي الحسن الأشعري، فأقول تعليقا على هذا النبز لبعض أهل السنة والجماعة بهذا الطعن :
ترى السديس -هداه الله للصواب -، طعّانا في بعض أهل السنة والجماعة وهم السلفيون فتراه في ذلك على أوجه، تارة يسميهم ((جامية))، وتارة ((خلوف))، وتارة ((أدعياء السلفية))، وهذا الطعن إنما حمله عليه سببان :
الأول : بغضه لبعض ما يدعون إليه من الحق :-
 كالتحذير المطلق من بعض رؤوس أهل البدع المعاصرين من الأفراد كسيد قطب، وحسن البنا، والمودودي، والقرضاوي، وغيرهم من أهل الإحداث في الدين، كذلك التحذير المطلق من الفرق البدعية التي فرقت بين أهل الإسلام وأحدثت بينهم شقا كبيراً كجماعة الإخوان المسلمين، وجماعة التبليغ، وغيرهما وهم بذلك مقتفون أثر جمع من العلماء الكبار المشهود لهم بالسنة والجماعة والرسوخ في العلم كالشيخ ابن باز والعثيمين والفوزان واللحيدان والغديان والراجحي وآل الشيخ والعباد والألباني وغيرهم من علماء السنة في المملكة العربية السعودية وفي خارجها.
فما عند السلفيين من الحق في هذا الباب الذي كرهه حمله ذلك إلى غمطهم، وبهتانهم، والقدح فيهم والتحذير منهم.
ولو سلمنا أن أحدا من السلفيين أخطأ في بعض هذه المسائل التطبيقية لأصول السنة والجماعة التي أجمع السلف الصالح على السير عليها والأخذ بها في مسائل الاجتماع والافتراق، والسنة والبدعة، والإمامة، والجهاد، ونحو ذلك، فإن خطأ هؤلاء السلفيين في تطبيق بعض الأمور هو دون خطأ أولئك الذين ضلوا في أصولهم عن السنة، وأحدثوا لهم أصولاً مناقضة لما عليه السلف الصالح، فالدفاع عن السلفيين وعذرهم فيما أخطئوا فيه  وإحسان الظن بهم أولى من عذر من انحرف عن السنة والجماعة والتحق بركب أهل البدع مما هو مشهود مقرر في كتبه ومقاله مما لا يخفى على أحد إلا قليلاً، وذم أولئك لبدعهم والتشنيع عليهم والتحذير منهم والطعن بهم أولى من ذم هؤلاء الذي قد يكونوا أخطأوا في تطبيق مسألة مع صحة أصولهم وسلامة قصدهم وحرصهم على تحري السنة والرجوع إليها.
ولكن لا يفقه هذا من امتلأ قلبه حزبية، وولاءً لأهل البدع والأهواء، فإن الحزبية رق، يعمي عن الحق ويصم عن سماعه، فترى الواحد يدعي أنه سلفي ويصف نفسه ومن كان على نهجه من لم يعارضه بذلك، ثم هو يتنكر لمنهج الله الذي أرسل به رسله، وأنزل به كتبه وهدى له أولياءه، فيوالي أناسا أخذوا بدين المبتدعة الضلال من الخوارج والصوفية ونحوها، وهذا مسلك يهودي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء بالحق من عند الله مما كان اليهود يبشرون به، ويستفتحون به على الذين كفروا، كفروا به، واتبعوا كتب السحرة التي كان فرعون وقومه يأخذون بها، وكانوا أعداءً لبني إسرائيل، فتأمل كيف كفروا بما هو امتداد لدعوة الحق التي دعا إليها الرسول الذي أرسل إليهم عليه الصلاة والسلام وأخذوا بدين عدوهم، إنما حمله على ذلك بغضهم للحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما هم عليه من الكبر.
الثاني : التمسك بأخطاء بعض من يظهر الدعوة إلى السلفية من طلاب العلم ممن قد يكون علمه قليل، وحكمته قليله، أو من أخطأ في حكْمه واجتهاده، أو كان عامياً  لا يحمل العلم إنما يدعو بجهالة :
والطعن في السلفيين ككل ونبزهم بـ ((الجامية)) وبـ((الخلوف)) لخطأ أفرادٍ لا عبرة بهم أو ممن يحسبون على المنهج السلفي النقي كما يحسب عالم السنة إذا قرر القواعد وأصل للسنة، ضرب من البغي، ونوع من الفجور في الخصومة، فكان الواجب عليه – هداه الله- أن يتجنب الطعن في السلفيين باسم ((الجامية))، و((الأدعياء))، لهذا السبب،  وأن ينبههم على خطئهم وأن يرد عليهم بالعلم لا بالتشغيب واستغلال ذلك للطعن في بعض أهل السنة والجماعة وتفريق صف أهل الإسلام وإعانة المبتدعة عليهم.
وطعنه ببعض أهل السنة والجماعة ونبزه لهم بأنهم ((جامية)) وغير ذلك : فيه محاذير منها:
1-    تفريقه بين المؤمنين :
 حيث أخرج بعض أهل السنة لاسم غير اسم السنة، والله تعالى أمر المؤمنين بالاجتماع ونهاهم عن الفرقة كما قال تعالى : { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا } [ آل عمران : 103 ] وقال سبحانه  : { شرع لكم من الدين ما وصى به  نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } [ الشورى :13 ]، والتفريق بين أهل السنة بذلك مسلك جاهلي كما قال تعالى، : { ولا تكونوا من المشركين * من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون}[الروم : 31-32] فالتفرق يبن المؤمنين من فعل المشركين وحال أهل الجاهلية.
2-        الظلم والتجني :
وذلك لعالم من علماء السنة شهد له علماء عصره بالسنة والسلامة والبدع، وهو الشيخ : محمد أمان الجامي رحمه الله، فإن لم يأتي ببدعة من القول أو محدثة من العمل، فأصوله وقواعده وعقيدته إنما هي ما كان عليه السلف الصالح، بتزكية الشيخ بن باز  له بذلك وكذا الفوزان واللحيدان، وغيرهم،   وهذه التزكية بعد وفاته، فثبتت المدحة، وانتفت الشبة عن هذا العالم المبارك، فنسبة فرقة  له مع أنه لم يأتي بما يفارق به اسم السنة، وقياسه على الأشعري ظلم وجناية، وفيه ما ذكرنا من التفريق بين المؤمنين الذي هو سبيل أهل الجاهلية.
ولنا أن نسأل السديس – هداه الله- وغيره ممن يفرق بين أهل السنة ويخرج بعضهم من اسم السنة، فنقول :
إن الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله ومن نسبتموه له إنما :
·       يدعون للتوحيد ويوالون أهله ويحذر من الشرك ويعادون أهله.
·       يدعون للسنة ويحذرون من البدع.
·   يدعون للزوم طاعة الإمام المسلم في غير معصية الله، وإن جار أو ظلم أو فسق أو كان مبتدعاً ما لم يأتِ بكفر بواح عندهم فيه من الله برهان، ويرون الجهاد معه والحج وإقامة الجمع والأعياد، ويفتون بحرمة التهييج عليه بذكر معايبه مما يؤدي إلى فتنة الخروج عن طاعته وافتراق المسلمين ويأمرون  بالنصيحة السرية له أو العلنية في محضره، ولا يمنعون من إنكار منكرات سلطانهم وما خالف فيه الشريعة في قوله أو فعله دون ذكر اسمه مما هو مقرر في بابه.
·       ويحذرون من أهل البدع والأهواء بأوصافهم وبأعيانهم.
·       ويردون على المخالف من أهل السنة.
·       يأمرون بالألفة والمحبة والتراحم بين أهل السنة والرفق بينهم.
·       ولا يدعون العصمة لأحد من البشر، فيقبلون الحق ممن جاء به.
·   ويذبون عن علماء السنة ويحبونهم ويوالونهم ولا يقلدونهم فيما خالفوا فيه الحق ويتأدب طالب العلم السلفي في رده على العالم المعروف بالسنة ولا يكتم الحق ولا يداهن في دين الله، ولا يوالي ويعادي على غير السنة، ويعذر عالم السنة فيما خالف فيه الدليل عن اجتهاد أو زل فيه من غير انحراف عن السنة ورغبة بالأهواء والبدع.
·       ويعتقدون ما يعتقده أهل السنة والجماعة في كتب الاعتقاد في جميع مسائل العقيدة.
وقد يزل ويخطئ الواحد منهم، في تطبيق جزء أو مسألة لا في الأصول والقواعد.
فهل من هذه حاله ممن عرف بإرادة الحق والصدق فيه وطلبه والسير على السنة والجماعة وشُهد له بذلك، يسوغ إخراجه من السنة لزلته تلك أو خطئة ذلك إن هذا إلا البغي والجور والتفريق بين المؤمنين.
والعجب كل العجب! أن يعذر من يرتكب الطوام والموبقات العقدية ويدافع عنه كسيد قطب وحسن البنا والقرضاوي وغيرهم من المبتدعة الضلال، وجماعة الإخوان والتبليغ، ويوصف بعض من تنكب طريق السلف والتحق بمعتقد الخوارج بتكفير بعض حكام المسلمين من المسلمين وخرج على جماعة المسلمين يقتل برهم وفاجرهم بأنهم ((سلفيون)) و ((سنيون))، مع ما عرف عنهم من الصد عن السنة والانحراف عنها ومخالفة أصول السلف الصالح وما هم عليه من المعتقد والمنهاج، والرغبة عن ذلك ومع جرح العلماء الكبار كابن باز و العثيمين والألباني والفوزان لهم، فكيف لسني سلفي أن يفرق بين أهل السنة ويصفهم بأنهم ((أدعياء السلفية)) و ((الجامية)) ويعقد ألوية الحب والبغض والولاء والبراء بسبب ما قاموا به من الرد على المبتدعة والتحذير منهم والدعوة لأصول أهل السنة والجماعة،  تلك إذا قسمة ضيزى!!
ثم العجب كل العجب أن ترى السديس – هداه الله- ومن هم على شاكلته ممن هم أولى بأن يوصفوا بأنهم ((الأدعياء))، أن تراهم يأنفون من وصف من سار على منهاج سيد قطب في التكفير بأنه قطبي، أو من سار على منهج محمد سرور في الجمع بين عقيد السلف ومنهج الإخوان في السياسة بأنه سروري، أو من سار على منهج حسن البنا بأنه إخواني، أو على منهج محمد إلياس ودعوة التبليغ بأنه تبليغي، لأن هؤلاء الأتباع لهؤلاء الرؤوس المبتدعة إنما أخذوا عنهم البدعة ونشروها وأحبوا فيها وأبغضوا ووالوا فيها وعادوا فيها، وليس النسبة لهؤلاء بهذا الوصف لأخذهم بما عند متبوعيهم من الحق، بل لكونهم صدروا عن بدعتهم، المخالفة لأصول السنة والجماعة، فحالهم كحال الأشعري والمعتزلي والخارجي والصوفي، إنما نسب لما أخذ به من البدعة والضلالة، وهؤلاء هم الأحرى أن تنطلق سهام السديس ومن على شاكلته عليهم، فيغزوهم بالحق، ويبينوا عوارهم صيانة للشريعة وحماية لها، من تحريف الغالين وانتحال المبطلين، الذين أزكمت بدعهم الأنوف، وأبلغ أثرها كثير من شبابنا فمنهم من بلغت حقويه، ومنهم من ألجمته إلجاماً.
ثم العجب يتلوه العجب أنهم مع أنفتهم من وصف هؤلاء المبتدعة ببدعتهم، وعذرهم لهؤلاء الخارجين عن السنة الآخذين بالبدع، ودفاعهم عنهم، وخيارهم من يسكت عن التحذير من بدع رؤوسهم وقادتهم، تراهم يعادون إخوانهم السائرين على عقيدة السلف الصالح، الآخذين بما وجه به علماء السنة في هذا الزمان كالعالم الإمام عبدالعزيز بن باز وابن عثيمين والألباني والفوزان واللحيدان والغديان وإخوانهم من علماء السنة الربانيين، فتراهم يعادونهم، ويبغضونهم، ويستحلون أعراضهم، ويدينون بالكذب عليهم، ويخرجونهم من السنة، ويعدون ذب هؤلاء عن السنة وتحذيرهم من البدع، ضلالاًً كحال السديس ومن معه – هداهم الله للحق والسنة-، ثم إن من تناقضهم انتسابهم لهؤلاء العلماء مع مخالفتهم لهم وعدائهم لمن كان على منهجهم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن إنكارهم على السلفيين إنما هو إنكار أهل الأهواء على أهل  السنة، وليس إنكاراً منطلقاً من الاتباع للدليل وإلا كيف يسوغ لهم السكوت عن البدع الكبرى التي وقع فيها قادة الفتنة ورؤوس البدعة.
والعداء للسنة ونبز أهلها بما يشوه ما هم عليه من الحق في نفوس العامة عادة أهل الجاهلية، فإنهم يلقبون أهل الحق بالألقاب المنفرة، ليصدوا الناس عن الحق إلى الباطل، كيداً وعدواناً،  كما قال تعالى : { وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون}[الأنعام : 112].
والصراع بين هؤلاء الأفراد من أهل السنة السلفيين وبين عبدالرحمن السديس -هداه الله-وأمثاله من خصوم الدعوة السلفية صراع بين أهل السنة وأهل الأهواء، صراع لأجل ما قام فيه هؤلاء من السنة والحق الذي يغيظ بيانه أهل الأهواء وتشمئز منه نفوسهم، كحال أهل الشرك الذين قال الله تعالى فيهم : {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون}[الزمر :54 ]، وهؤلاء إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده، وذكرت السنة وحدها، وذكر تجريد الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحده اشمأزت قلوبهم، وإذا ذكر سيد قطب وأضرابه، وحسن البناء وأتباعه، ومحمد إلياس ومريدوه، وإذا ذكر ما سمي بـ((الفكر الإسلامي))، أو ((حرية التعبير))، أو ((الديمقراطية))، أو ((التعددية))،  إذا هم يستبشرون، فهؤلاء إنما ينقمون على أهل السنة تجريد الاتباع كما ينقم أهل الشرك على أهل الإسلام تجريد القصد لله وحده لا شريك له.
وقد يكون من المخالفين للدعوة من كان الأمر عليه ملتبساً وهو يريد الحق أصلاً، فإنه سينكشف له الحق ويتبين له السبيل متى ما صدق في طلبه.
وقد يكون من المخالفين من هو ضحية للتضليل ودعاية السوء، فإنه بعد البيان سينكشف له الحق متى ما صدق في طلب الحق.
والحق الذي يدعوا إليه السلفيون قائم على أصول سلفية، وهم بذلك لم يأتوا ببدع من القول، بل وافقهم عليه علماء سلفيون مشهود لهم بالرسوخ في السنة، وشهد الزمن والواقع صدق كثير مما ذكر السلفيون في حق أعداء السنة الذين قد يكون خفي حالهم على كثيرين من الطيبين، أو أحد من أهل العلم.
وليس الغريب من السديس وأمثاله من أهل الأهواء نكيرهم لما يدعو إليه أهل السنة، إذ المنطلقات التي ينطلق منها أولئك مخالفة لما عليه السلفيين، من جهة المنهاج، ومصادر الاستدلال على الحق، حيث تقوم مصادرهم على التلفيق، ومناهجهم على التحريف، واستدلالاتهم على التلبيس كما قال تعالى : {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله}[آل عمران : 162] فهم يحرفون الكلم عن مواضعه، في الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح، وفتاوى العلماء الربانيين، وقد شهد الواقع بذلك.
كما لا يستغرب عدم قبولهم للحق فلهم نصيب من قول الله تعالى : { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}[البقرة : 120]، قال الشوكاني في كلام نفيس له في تفسير هذه الآية : " في هذه الآية من الوعيد الشديد الذي ترجف له القلوب وتتصدع منه الأفئدة ما يوجب على أهل العلم الحاملين لحجج الله سبحانه والقائمين ببيان شرائعه ترك الدهان لأهل البدع، المتمذهبين بمذاهب السوء، التاركين للعمل بالكتاب والسنة، المؤثرين لمحض الرأي عليهما، فإن غالب هؤلاء وإن أظهر قبولا وأبان من أخلاقه لينا لا يرضيه إلا اتباع بدعته والدخول في مداخله والوقوع في خبائله، فإن فعل العالم ذلك بعد أن علمه الله من العلم ما يستفيد به أن هدى الله هو ما في كتابه وسنة رسوله لا ما هم عليه من تلك البدع التي هي ضلالة محضة وجهالة بينة ورأي منهار وتقليد على شفا جرف هار فهو إذ ذاك ما له من الله من ولي ولا نصير ومن كان كذلك فهو مخذول لا محالة وهالك بلا شك ولا شبهة"ا.هـ[2]

وإني في ختام هذه المقالة أوجه نصيحتين :
النصيحة الأولى : لأخي عبدالرحمن السديس فأقول :
يا عبدالرحمن السديس اتق الله، وعد إلى رشدك، فدعوة الحق لا تخفاك.
دع عنك الكبر والاستخفاف بأهل السنة، فإنك والله لن تجني من ذلك إلا الضرر العاجل في الدنيا، والعقوبة في الآخرة.
انتصف من نفسك، وانصر الحق الذي مع إخوانك المسلمين ولا تفرق بينهم لغير السنة، فتوالي أهل البدع لموافقتك إياهم في جانب من الهوى، وتعادي أهل السنة لمخالفتك إياهم لهواك.
اتق الله، واعلم أنَّك موقوف بين يدي الله، وسائلك عن علمك ماذا عملت به، واحذر أن يرديك هواك فيظفر من إبليس عدو الله بذلك، فتنسلخ من الحق بعد إذ آتاك الله إياه، وترتد على عقبك بعد إذ هداك الله، فتخرج من الإسلام إلى الكفر، لبغضك إظهار جانب من السنة مما يخالف هواك.
فإبليس يمكر بك، ويغويك، ويسعى بخيله ورجله ليخرجك من الإسلام إلى الكفر، كما أدخلك في شيء من الأهواء.
فكف عن الغرور وتبصر بحقيقة ما أنت عليه، وتأمل فاليوم حياة وعمل، وغداً حساب وندم.
واقرأ ببصيرتك إن كنت تطلب الحق، ما قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه في كتاب براءة أهل السنة " لا يجتمع الولوع بين المتضادين فكما لا يجتمع في قلب عبدٍ: حب القرآن وحب الغناء, فكذلك لا يجتمع حب السنة والبدعة, ولا حب السني والمبتدع"ا.هـ
وأقول : والله لا يجتمع في قلب سني حب السنة، وبغض السني لأجل المبتدع، فاتق الله.
و لك أقول بما قال في مسك ختام كتابه هذا : " وجميل بمن سمع الحق: أَن يقيم الوزن بالقسط فيتبعه بوضوح وجلاء, فالاعتقاد لا يحتمل المجاملة ولا المتاجرة, ولا نثر ماء الوجه وإِهداء صيانته. فليصل العبد قلبه بربه. وليقطع أَسباب مثل تلك المحبة الجامحة به إِلى الهلكة .وليبحث: ليعلم. وليكتب: ليفيد. ولينقد: لنصرة الحق والحقيقة المستقيمة على الطريقة بمثل ما كان عليه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وأَصحابه -رضي الله عنهم- "ا.هـ
فإن أبيت إلا سلوك طريق الهوى، والأخذ بأسباب الردى، فأقول لك بما قال رحمه الله : "ومن حاد: فسيكون علمه وبالاً, وبحثه ضلالاً, وجهده هباءً. نعوذ بالله من الشقاء, والفتن الصماء. وإِن وراء الأَكمة رجالاً, وللحق أَنصاراً.{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}"ا.هـ
النصيحة الثانية : لإخواني الشباب فأقول :
أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وتحري ما يرضيه، والحذر من الزيغ وأسبابه، وإن من أكبر أسباب الزيغ أخذ العلم عن أهل الأهواء ممن لا يتحرى الحق، ويوالي أهل البدع ويعادي أهل السنة، فاحذروهم، وإن أظهروا العلم، أو انتسبوا للمشائخ والعلماء، فلا يذب عن مبتدع ويعادي إخوانه أهل السنة لأجل أهل البدع الظاهرة بدعهم إلا صاحب هوى مبتدع.
ثم أوصيكم بأخذ العلم عن الأكابر من علماء السنة ما داموا أحياء والصدور عن رأيهم، والحذر التقدم بين أيدهم.
في الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "قد علمت متى صلاح الناس ومتى فسادهم: إذا جاء الفقه من قبل الصغير استعصى عليه الكبير، وإذا جاء الفقه من قبل الكبير تابعه الصغير فاهتديا"ا.هـ[3]
قال ابن مسعود رضي الله عنه : " إنكم لن تزالوا بخير ما دام العلم في كباركم، فإذا كان العلم في صغاركم سفَّه الصغير الكبير"ا.هـ[4]
قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : " لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم، فإذا أخذوه من أصاغرهم وشرارهم هلكوا"ا.هـ[5]
وعن ابن سيرين قال : "كانوا لا يسألون عن الإسناد ثم سألوا بعد ليعرفوا من كان صاحب سنة أخذوا عنه ومن لم يكن صاحب سنة لم يأخذوا عنه"ا.هـ[6]
فعلى شبابنا عموما وعلى على طالب العلم خصوصا أن يسعى جهد في الأخذ عمن اشتهر رسوخه في العلم بالسنة.
و طالب العلم متى ما أعرض عن الراسخين من علماء السنَّة، وأخذ عمن هو دونهم فاته الخير الكثير وقد يكون من أسباب زيغه.
وذلك أن العالم السني الراسخ الذي له قدم صدق في العلم  وتحقيقه، وتمحيصه، ومعرفة مشكله، والجواب على ما يعترض من الشبهات، والواردات، يفيد طالب العلم بخلاصة ما عاصر من العلوم، بخلاف طالب العلم المعلم ممن لم يرسخ في العلم، وهذا أمر معروف مشهور، معلوم شرعاً، وواقعاً، وعقلاً.
في الأثر عن سليمان بن موسى قال : " قلت لطاووس إن فلانا حدثني بكذا وكذا، قال : إن كان صاحبك مليا فخذ عنه"ا.هـ[7]
وقال سفيان الثوري : "خذ الحلال والحرام من المشهورين في العلم"ا.هـ[8]
وللشيخ صالح اللحيدان حفظه الله كلام نفيس في هذا الباب حيث يقول : " بلادنا عاشت فترة ذات اندفاع كثير من الشباب، منهم من كان متدينا لكن مع ضعف البصيرة، وقلة الخبرة، وتقليب الأمور لمعرفة ما قد تنطوي عليه المناهج والمقاصد، ومنهم من له غرض ويريد ما يوصله إليه بأي وسيلة، وهذا يتبين من التقلبات التي تحصل للشخص أو الأشخاص، ومن أعظم أسباب التخبط البعد عن أهل العلم المعروفين بالثبات والتثبت، فإذا اتخذ الشباب قدوة لهم من غير أهل العلم الراسخين فيه، المعروفين بوزن الأمور والنظر في سلامة المقاصد ودلالة نصوص الشريعة، فإنهم يقعون في ورطات، ويوقعون فيها غيرهم"ا.هـ[9]
فاتقوا الله أيها الشباب، فإن الله تعالى قد بين لنا طريق الحق من طريق الباطل، وأوضح دلائل كلاً منهما، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها.
هدى الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وأعاننا على طاعته، وجنينا الزيغ وأسبابه، وثبتنا على الصراط المستقيم.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثرا.



مدونة تمهل

@tmhhl1433

21 / 10 / 1433هـ




 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



[1] انظر صحيح مسلم  بشرح النووي (2/78).
[2] فتح القدير (1/211).
[3] جامع بيان العلم وفضله (1/313)
[4] جامع بيان العلم وفضله (1/314)
[5] ذكره بن المبارك في كتاب الزهد (1/281)، وابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله (1/311)
[6] أخرجه الدارمي برقم ( 416 ) و نحوه عند مسلم في مقدمته ( 1/14).
[7] أخرجه الدارمي برقم ( 414) ومسلم في مقدمته ( 1/14).
[8]  الآداب الشرعية لابن مفلح (2/142).
[9] الغلو ظاهره، وأسبابه، وعلاجه للشيخ محمد العريني ( ص : 11).