بسم الله الرحمن الرحيم
أعترف أنني من المتَّهمين بالانضمام إلى دائرة تُسمَّى "غلاة الطاعة"، وإنني من المُهْتمين –مؤقتا- بمحاولة تفكيك هذه التهمة:
كيف سقطتْ علينا؟ أو سقطنا عليها؟!
وما الصلة بين حقيقة اتجاهنا وبين حقيقتِها؟
...هذه التهمة تقاطرت في صخب! اختلطت فيها أصوات وأصوات..
تُرى أي صوت يصدِّقه السائر في هذا الظلام؟ أي صوتٍ يحيدُ بك أيها السائرُ عن حفر الهلاك؟ وأين طريق الحقيقة؟!
أصدُقكم القولَ: إنني قد وَضعتُ دعاوى كل طرف المتهِّم والمُتّهم –وأنا متهم!-.. لأعرفَ الحقائق التي أريد فعرفتُ فحوى كل قول.. ولتأذنوا لي في حوار طرفٍ ثالث! حوارٍ مع التهمةِ ذاتِها!
أيتها التهمةُ.. بُوحِي بما يعرفنا بكِ –برّأَنا الله منكِ-!
التهمة: أتألفُ من جزئين: [غلاة] جمعُ [غال] من [الغلو] وهو، كما تعرف: مجاوزةُ الحدِّ. قال تعالى: {يا أهل الكتابِ لا تغلُوا في دينكم غير الحق}، يعني كما [في التفسير الميسر]: "لا تتجاوزا الاعتقادَ الحقَّ في دينكم"اهـ.
فإنّك –أيها المتَّهم!- إنْ جاوزتَ الحدَّ المشروع في أمرٍ ما، حتى لو كان مشروعا في الأصلِ، صرتَ مِن الغلاة فيه.
أفهمتَ، يا متهم؟
المتَّهم: فهمتُ يا واعظةَ آخرِ زمن! أتمِّي ما بدأتِ!
التهمة: والجزء الثاني مِنِّي: [الطاعة] ويعنون به: [طاعة ولاة أمور المسلمين]!
ويزعمون أنكم -معشر المتَّهمين بي- قد تجاوزتُم الحدَّ الذي شرعه الله، ووصلتُم إلى دائرتِي النكدة [الغلو]!
فهل أنتم تطيعون ولاتكم فيما حرَّمه الله؟
المتَّهم: معاذ الله! وحاشا لله! وإنَّا لنكرر ونؤكد ما أكَّده سلفُنا الصالح.. بل أكَّده رسولُنا صلى الله عليه وسلم: ((لاطاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف)) [رواه مسلم في صحيحه]
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: (أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله) [رواه مسلم].
وعلى هذا إجماع السلف الصالح رحمهم الله، قال النووي رحمه الله: "أجمع العلماء على وجوبها في غير معصية، وعلى تحريمها في المعصية"اهـ. نقلتُ كلام النووي هذا من كتيب مفيد في المسألة يشرح ما نحن عليه بصدق ورصانة علمية، وأحال على [شرح صحيح مسلم: (12/ 426)]
وقد ذكر كلماتٍ لعلماء آخرين حكوا الإجماع على هذا، واسم الكتيب: "الأحكام الفقهية المتعلّقة بمنصب الإمامة" تأليف د. محمد بن فهد الفريح.
وإني أدعو من يتهموننا بالغلو في الطاعة إلى قراءة هذا الكتاب، فسيجدون فيه أجوبة مفيدة تحل إشكالات عديدة.. راجعوه رحمكم الله!
التهمة: جميلٌ، وهذا أمر معروف، لكني أريد أن تورد أقوالا لبعض المتأخرين من علمائكم ومشايخكم خصوصا "المتهمين" منهم !
المتَّهم: صدقتِ، أبعَدَكِ الله! ودعيني أبدأُ بثلاثةِ علماء ضمن هيئة كبارِ العلماء التي سمَّاها إبراهيم الطلحة: -في تغريدةٍ سقيمة له-: "هيئة كبار العملاء"! جرأتْه الوقاحةُ وقلة الفهم! وسكت عن جرأته أقوامٌ وكأنَّ لسان حالهم: "لم آمر بها ولم تسؤني"! –هذا مع كثرة شكواهم من الانتهاكات الواقعة على أعراض العلماء!-.
عموما (ما علينا)... وأما الثلاثة العلماء فهم:
1-الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان، قال [في "الإعلام بكيفية تنصيب الإمام في الإسلام" ص7]: "...السمع والطاعة، لكن ذلك بالمعروف، فإنْ أمَر بمعصية فإنَّه لا يُطاع في تلك المعصية"اهـــــــ.
2-مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، قال [في خطبة "الحقوق بين الراعي والرعيَّة"]: "...ما لم يأمر بمعصية"اهــــ.
3-الشيخ صالح بن محمد اللحيدان، قال [في فتوى له ضمن دروس الحرم المكي]: "أما إذا أمروك بمحرم، أو نهوك عن واجب من واجبات الدين، فلا تطعْهم"اهــــ.
وسأنتقل بك إلى قائمة من العلماء اتُّهموا بأنهم رؤوس لغلاة الطاعة! :
1-الشيخ د. محمد أمان بن علي الجامي رحمه الله، قال [في "الأمالي الجامية على الأصول الستة" ص26]: "...ما لم يأمروا بمعصية"اهــ.
2-الشيخ علامة الجنوب أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله، قال [في جواب له عن المنهج السلفي منقول في حاشية تعليقاته على الرسائل العقدية ص136]: "ندين لله بطاعة ولاة الأمر في المعروف، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ماداموا مسلمين..."اهـــ.
3- الشيخ د. ربيع بن هادي المدخلي، قال [في "حكم المظاهرات في الإسلام" الحلقة الأولى]: "من مقتضيات هذه الطاعة عدم منازعة الأمير المسلم في كل الأحوال، إلا في حالة واحدة وهي الكفر البواح، الذي يعلنه الأمير جهاراً، أما في غير هذه الحال فلا بد من الطاعة في غير معصية الله"اهـ.
4-الشيخ زيد بن محمد المدخلي، قال [في "سلم الوصول إلى بيان الستة الأصول" ص43]: "قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسولَ وأولي الأمر منكم} فأمَرَ بطاعته وطاعة رسوله مُطلقًا، لعصمة ما جاء عن الله عزَّ وجلَّ، بلَّغَتْه رسلُ الله –عليهم الصلاة والسلام-، وقُيِّدَتْ طاعة ولي أمر المسلمين من أصحاب الولاية العامة وأصحاب الولاية الخاصة بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم"اهــــ. (وفي المصدر توضيح لمعنى الولاية العامة والخاصة)
5-الشيخ د. صالح بن سعد السحيمي –المدرس بالمسجد النبوي-، قال [في "شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني" ص155، تفريغ سالم الجزائري]: "... طاعتهم في حدود طاعة الله؛ لأنه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق"اهــ.
6-الشيخ عبيد الجابري، قال [في "تنبيه العقول السليمة إلى فوائد مستنبطة من ستة أصول عظيمة" ص27]: "هذه الطاعة التي جاءت في الآية الكريمة بينها النبي صلى الله عليه وسلم وقيَّدها وذلك في الحديث المتفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((على المسلم السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، ما لم يُؤمَر بمعصية فلا سمع ولا طاعة))"اهـــ.
7-الشيخ د.سليمان بن سليم الله الرحيلي –المدرس بالمسجد النبوي-، قال [في "شرح الأصول الثلاثة"]: "...{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} فكرر الفعل مع الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن مع ولاة الأمر:{وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}، وفي ذلك إشارة إلى أن من دون الرسول صلى الله عليه وسلم لا يطاع إلا بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنما طاعتهم في المعروف، فلا يطاع إمام ولا يطاع شيخ ولا يطاع قائد ولا يطاع حاكم ولا يطاع أمير ولا يطاع والٍ إلا في طاعة الله -يعني في غير المعصية-"اهـــ.
8- الشيخ المصري د. محمد سعيد رسلان، قال [في "دعائم منهاج النبوة" ص/247- 248]: "فإذا أمروا بغير طاعة الله، وبغير طاعة رسول الله، فلا طاعة، ولذلك قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا أَطِيعُوا اللَّهَ} ثم كرَّر الفعلَ: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}، ثم قال: {وأولي الأمر منكم}، ولم يقل: وأطيعوا أولي الأمر منكم، إنما قال: {وأولي الأمر منكم}؛ يعني أطيعوا أولي الأمر منكم في طاعة الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم"اهـــــ
9- الشيخ عبد الله العبيلان، قال [في شرح "الأصول الستة"]: " الطاعة لولي الأمر تكون في طاعة الله فإذا أمر بمعصية الله فلا طاعة له"اهــ.
10-الشيخ الجزائري د. محمد بن علي فركوس، قال [في مقال له "في حكم التشهير بالحكام والتشنيع عليهم"]: "من مقتضيات الإيمان وجوبُ طاعة ولاة الأمور على ما هم عليه من عدلٍ أو جَوْرٍ كما نصَّت عليه الأحاديث الكثيرة في هذا الباب، وليس معنى ذلك أن تكون الطاعة مطلقةً، وإنما هي مقيَّدةٌ بالمعروف دون معصيةٍ"اهـــ.
وأقول: إن هذا الأمر من البدهيات المسلَّمة عند السلفيين، وما أكثرتُ من النقول إلا لوجود من يشيع عنا –معشر السلفيين- خلاف ما نقول في هذه المسألة!
وأذكر أن الشيخَ الدكتور عبد العزيز الريّس تحدَّى كاذبا أشاع هذه الكذبة في إحدى الجرائد قبل سنوات... تحداه بأن يأتي بسلفي واحد يقول بأن الطاعة لولي الأمر تكون حتى في معصية الله! ومضت السنون وما رأينا إثباتاتٍ بل نرى أكاذيب تتكرر، وإمَّعاتٍ تردّدْ!!
أعودُ إليك أيتها الأكذوبة الباهتة والتهمة الجائرة!
التهمة: لا تجعلني أكذوبة عليكم، حتى تتبين براءتي منكم وبراءتُكم مني!
فقد جعلوا بيني وبينكم ألوانا أخرى من الصمغ..!
المتَّهم: هي كما قلتِ: ألوانٌ يذيبُها ماء الحقيقة الصافي، وصمغ يرونه –واهمين- ولا يراه البصير!
سأعود إلى طاولة النقاش بإذن الله في جولة أخرى..
مدوَّنة تمهَّل
23 / 8 / 1434هــــ
@tmhhl1433
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق